هدم الكعبة من قبل قريش وبناءها
بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
وفي سنة خمس وثلاثين من مولده صلى الله عليه وسلم* هدمت قريش الكعبة.
وكان سبب هدمهم إياها أنها كانت رضيمة فوق القامة* فأرادوا رفعها وتسقيفها* وذلك أن نفراً من قريش وغيرهم سرقوا كنزها وفيه غزلان من ذهب* وكانا في بئر في جوف الكعبة.
وكان أمر غزالي الكعبة أن الله لما أمر إبراهيم وإسماعيل ببناء الكعبة ففعلا ذلك* وقد تقدم ذكره* وأقام إسماعيل بمكة وكان يلي البيت حياته* وبعده وليه ابنه نبت. فلما مات نبت ولم يكثر ولد إسماعيل غلبت جرهم على ولاية البيت* فكان أول من وليه منهم مضاض* ثم ولده من بعده حتى بغت جرهم واستحلوا حرمة البيت فظلموا من دخل مكة حتى قيل: إن إسافاً ونائلة زنيا في البيت فمسخا حجرين.
وكانت خزاعة قد أقامت بتهامة بعد تفرق أولاد عمرو بن عامر من اليمن* فأرسل الله على جرهم الرعاف أفناهم* فاجتمعت خزاعة على إجلاء من بقي منهم* ورئيس خزاعة عمرو بن ربيعة بن حارثة فاقتتلوا* فلما أحس عامر بن الحارث الجرهمي بالهزيمة خرج بغزالي الكعبة والحجر الأسود يلتمس التوبة وهو يقول:
الاهمّ إنّ جرهماً عبادك
النّاس طرفٌ وهم تلادك
بهم قديماً عمرت بلادك
فلم تقبل توبته* فدفن غزالي الكعبة ببئر زمزم وطمها وخرج بمن بقي من جرهم إلى أرض جهينة* فجاءهم سيل فذهب بهم أجمعين* وقال عمرو بن الحارث:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصّفا ** أنيسٌ ولم يسمر بمكّة سامر
بلى نحن كنّا أهلها فأبادنا ** صروف اللّيالي والجدود العواثر
وولي البيت بعد جرهم عمرو بن ربيعة* وقيل: وليه عمرو بن الحارث الغساني* ثم خزاعة بعده* غير أنه كان في قبائل مضر ثلاث خلال: الإجازة بالحج من عرفة* وكان ذلك إلى الغوث بن مر بن أد* وهو صوفة* والثانية الإضافة من جمع إلى منى* وكانت إلى بني زيد بن عدوان* وآخر من ولي ذلك منهم أبو سيارة عميلة بن الأعزل بن خالد* والثالثة النسيء للشهور الحرم* فكان ذلك إلى القلمس* وهو حذيفة بن فقيم بن كنانة* ثم إلى بنيه من بعده* ثم صار ذلك إلى أبي ثمامة* وهو جنادة بن عوف بن قلع بن حذيفة؛ وقام الإسلام وقد عادت الأشهر الحرم إلى أصلها فأبطل الله عز وجل النسيء.
ثم وليت البيت بعد خزاعة قريش* وقد ذكرنا ذلك عند ذكر قصي بن كلاب. ثم حفر عبد المطلب زمزم فأخرج الغزالين* كما تقدم.
وكان الذي وجد الغزالان عنده دويك* مولى لبني مليح بن خزاعة* فقطعت قريش يده* وكان فيمن اتهم في ذلك: عامر بن الحارث بن نوفل* وأبو هارب بن عزيز* وأبو لهب بن عبد المطلب.
وكان البحر قد ألقى سفينة إلى جدة لتاجر رومي فتحطمت* فأخذوا خشبها فأعدوا لسقفها* فتهيأ لهم بعض ما يصلحها. وكانت حية تخرج من بئر الكعبة التي يطرح فيها ما يهدى لها كل يوم فتشرف على جدار الكعبة* وكان لا يدنو منها أحد إلا كشت وفتحت فاها* فكانوا يهابونها* فبينما هي يوماً على جدار الكعبة اختطفها طائرٌ فذهب بها* فقالت قريش: إنا لنرجو أن يكون الله عز وجل قد رضي ما أردناه.
وكان ذلك ورسول الله* صلى الله عليه وسلم* ابن خمس وثلاثين سنة* وبعد الفجار بخمس عشرة سنة.
فلما أرادوا هدمها قام أبو وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم فتناول حجراً من الكعبة فوثب من يده حتى رجع إلى موضعه* فقال: يا معشر قريش لا تدخلوا في بنائها إلا طيباً ولا تدخلوا فيه مهر بغيٍّ ولا بيع رباً ولا مظلمة أحد.
وقيل: إن الوليد بن المغيرة قال هذا.
ثم إن الناس هابوا هدمها فقال الوليد بن المغيرة: أنا أبدأكم به* فأخذ المعول فهدم* فتربص الناس به تلك الليلة وقالوا: ننظر فإن أصيب لم نهدم منها شيئاً* فأصبح الوليد سالماً وغدا إلى عمله فهدم والناس معه حتى انتهى الهدم إلى الأساس ثم أفضوا إلى حجارة خضر آخذ بعضها ببعض* فأدخل رجل من قريش عتلةً بين حجرين منها ليقلع به أحدهما. فلما تحرك الحجر انتقضت مكة بأسرها* ثم جمعوا الحجارة لبنائها ثم بنوا حتى بلغ البنيان موضع الركن* فأرادت كل قبيلة رفعه إلى موضعه حتى تحالفوا وتواعدوا للقتال* فقربت بنو عبد الدار جفنةً مملوءة دماً ثم تعاقدوا هم وبنو عدي على الموت وأدخلوا أيديهم في ذلك الدم فسموا لعقة الدم بذلك* فمكثوا على ذلك أربع ليال ثم تشاوروا. فقال أبو أمية بن المغيرة* وكان أسن قريش: اجعلوا بينكم حكماً أول من يدخل من باب المسجد يقضي بينكم* فكان أول من دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأوه قالوا: هذا الأمين قد رضينا به* وأخبروه الخبر* فقال: هلموا إلي ثوباً* فأتي به* فأخذ الحجر الأسود فوضعه فيه ثم قال: لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم ارفعوه جميعاً* ففعلوا. فلما بلغوا به موضعه وضعه بيده ثم بني عليه.
بحث وتقديم ناطق ابراهيم العبيدي
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|