قصص من التراث العراقي/الف ليلة وليلة/التاجر وزوجته/ج1
بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
قصة التاجر وزوجته الليلة الأولى
بلغني — أيها الملك السعيد ذو الرأي الرشيد — أنه كان هناك تاجر ثري يعد لزيارة بلد آخر. فملأ حقائبه بالخبز والتمر* وامتطى حصانه. واستمر سفره عدة ليالٍ في رعاية الله حتى وصل إلى وجهته. وعند الانتهاء من زيارته* توجه عائدًا إلى وطنه. فسافر مدة ثلاثة أيام* وفي اليوم الرابع وجد بستانًا* فدخله ليستظل فيه من الشمس. جلس على ضفة جدول مائي تحت شجرة جوز* وأخرج بعض أرغفة الخبز وحفنة من التمر* وبدأ في الأكل ملقيًا نوى التمر عن يمينه وعن يساره حتى اكتفى* ثم نهض وتلا صلاته.
وما كاد ينهي صلاته حتى رأى جنيًّا كبيرًا أمامه ممسكًا بسيف في يده* ويقف بقدميه على الأرض ورأسه تناطح السحاب. صاح الجني: «انهض حتى أتمكن من قتلك بهذا السيف* كما قتلت ابني.»
فزع التاجر* وقال: «أقسم بالله أنني لم أقتل ابنك* كيف حدث ذلك؟» قال الجني: «ألم تجلس* وتُخرج بعض التمر من حقيبتك* وتأكله ملقيًا النَّوى حولك؟» رد التاجر: «نعم* فعلت.» فقال الجني: «عندما كنت تلقي النَّوى* كان ابني يسير بجوارك* فصدمته واحدة وقتلته* وعليّ أن أقتلك الآن.»
قال التاجر: «يا إلهي* أرجوك لا تقتلني.» فرد الجني: «أقسم بالله أن أقتلك كما قتلت ابني.» قال التاجر: «إذا كنت قد قتلته* فقد فعلت ذلك عن طريق الخطأ. أرجو أن تسامحني.» رد الجني: «يجب أن أقتلك.» وأمسك بالتاجر* وألقى به على الأرض.
بدأ التاجر في البكاء على زوجته وأبنائه* ورفع الجني سيفه بينما كان التاجر غارقًا في دموعه* وقال: «لا حول ولا قوة إلا بالله العليِّ العظيم.»
•••
اقترب طلوع الصبح عند هذه النقطة من القصة* فسكتت شهرزاد تاركةً الملك شهريار يتحرق شوقًا لسماع باقي القصة. وقالت دينارزاد لأختها: «يا لها من قصة غريبة وجميلة!» فردت شهرزاد: «إنها لا تقارَن بما سأخبركما به ليلة غد* هذا إن أبقى عليّ الملك وتركني أعيش. فالقصة ستصبح أفضل وأكثر إمتاعًا.» فكر الملك: «سأبقي عليها حتى أسمع بقية القصة* ثم أقتلها في اليوم التالي.» الليلة الثانية
ظل الملك شهريار يعمل طوال اليوم التالي* وعاد إلى المنزل في الليل إلى شهرزاد. فقالت دينارزاد لأختها: «رجاءً يا أختاه* إذا لم يكن النوم يغالبك* فاروي لنا إحدى قصصك الممتعة.» وأضاف الملك: «لتكن نهاية قصة الجني والتاجر.» فردت شهرزاد: «بكل سرور* أيها الملك السعيد.»
•••
بلغني — أيها الملك السعيد ذو الرأي الرشيد — أنه عندما رفع الجني سيفه* قال له التاجر متوسلًا: «أرجوك دعني أودع أسرتي وزوجتي وأبنائي قبل أن تقتلني.» وسأله الجني: «هل تقسم بالله أنني إذا تركتك تذهب* فسوف تعود بعد سنة من تاريخ هذا اليوم؟» فرد التاجر: «نعم* أقسم بالله.»
وبعد أن أقسم التاجر بذلك* تركه الجني يذهب* فامتطى حصانه ومضى في طريقه* ليصل أخيرًا إلى منزله وزوجته وأبنائه. وعندما رآهم* أخذ يبكي بحرقة؛ فسألته زوجته: «ما بك يا زوجي؟ لماذا تشعر بالحزن وجميعنا سعداء ونحتفل بعودتك إلينا؟» فأجاب: «ولماذا لا أحزن وما تبقى لي من العمر سوى سنة واحدة فقط؟» ثم أخبرها بكل شيء حدث مع الجني.
عندما سمعت أسرته ما قاله* أخذوا يبكون* وكان يومًا حزينًا حيث تجمع جميع الأطفال حول والدهم. قضى التاجر ما تبقى من العام على هذه الحال* ثم صلى لربه وودع أسرته. فتعلق أبناؤه برقبته* وبكت بناته* وناحت زوجته. فقال لهم: «يا أبنائي* هذه مشيئة الله.» ثم انصرف* وامتطى حصانه* وسافر حتى وصل إلى البستان.
جلس التاجر في المكان الذي تناول فيه التمر في انتظار الجني والدموع تملأ عينيه. وأثناء انتظاره* اقترب منه رجل عجوز يقود كلبين مربوطين بحزامين حول عنقيهما* وألقى عليه التحية. فرد عليه التاجر التحية. سأله الرجل العجوز: «لماذا تجلس هنا* يا صاحبي* في هذا المكان الممتلئ بالجن والشياطين؟ فما من شيء في هذا البستان المسكون سوى الحزن والأسى.»
أخبره التاجر بكل ما حدث مع الجني* فاندهش الرجل العجوز من القصة* وقال: «إن وعدك بالرجوع إلى هنا من أفعال الشجعان. والله لن أتركك حتى أرى ما سيحدث مع الجني.» وجلس بعد ذلك بجانبه وتبادلا أطراف الحديث.
•••
وهنا أدرك شهرزاد الصباح* فسكتت عن الكلام المباح. ومع طلوع الفجر* قالت دينارزاد لأختها: «يا لها من قصة غريبة وجميلة!» فردت شهرزاد: «ليلة غد* سأخبركما بما هو أفضل وأكثر إمتاعًا.»
بحث وتقديم ناطق ابراهيم العبيدي