{ تأمل في وصايا سورة الإسراء ،!
الحمد لله ربِّ العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم عبدُه ورسوله.
أما بعد:
فقد تأمَّلتُ آيات الوصايا في سورة الإسراء التي افتتحها اللهُ سبحانه وتعالى بقوله: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴾ [الإسراء: 23]، وختَمها بقوله عزَّ وجلَّ: ﴿ ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا ﴾ [الإسراء: 39]، فرأيتُ أنَّها افتُتحَت بالأمر بالتوحيد، وخُتمت بالنَّهي عن الشِّرك.
والآيات التي بين ذلك أوامرُ ونواهٍ تتضمَّن إصلاح الظَّاهِر والباطن، والإحسان إلى ذَوِي القُربى بَدْءًا بالوالدين ثمَّ من يليهم، وفيها الحثُّ على التحلِّي بكامل الفضائل والأخلاق، وبيان الحِكمة في التعامل والإنفاق، وفيها الزَّجر عن الظُّلم والجهل والقولِ بلا علم، والكِبر، وغير ذلك من أحكام الشريعة العمليَّة الظاهرة والباطنة.
فظهر لي بعد تأمُّل فاتحتها وخاتمتها - اللتين ذكرتُ: أنَّها أمرَت بالتوحيد ونهَت عن الشِّرك - أنَّ في هذا إشارة إلى أنَّ الأعمال والفضائل التي جاء الأمرُ بها بين هاتين الآيتين لا تصحُّ ولا تُقبل إلاَّ بتحقيق أفضل الفضائل؛ وهو توحيد الله عزَّ وجلَّ، والبراءةِ من الإشراك به؛ لذا جعلَها الله تعالى أولى الوصايا وآخرَها.
وفيه إشارة إلى أنَّ أول الواجبات هو التوحيد؛ فلا يصح عملٌ إلاَّ بعد توحيد الله تعالى والشهادة بأنَّه لا إله إلاَّ هو، وإشارة إلى أنَّ العبد لا يُختم له بخَير، ولا ينجو في الآخرة - وإن أحسن في سابِق حياته - إلاَّ إذا مات على التوحيد والبراءةِ من الشِّرك؛ كما جاء في الصحيح: ((وإنَّ الرجل ليعمل بعملِ أهل الجنَّة، حتى ما يكونَ بينه وبينها غير ذِراع أو ذراعين، فيَسبق عليه الكتابُ، فيَعمل بعمل أهل النَّار، فيدخلها))؛ فإذا لم يَختم حياتَه بالتوحيد كما بَدأها، فلا نجاة له؛ بل يُلقى في جهنَّم - أعاذنا الله وإيَّاكم - ولم أجد من أشار إلى هذه المعاني من قَبل، والله تعالى أعلم، والحمد لله رب العالمين.
عدنان بن عيسى العمادي
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|