لعلكم تتفكرون
*معاشر المؤمنين الكرام:*
الكونُ بكل شيءٍ فيهِ خاضعٌ لأمر اللهِ ومشيئته،* منقادٌ لتدبيره وإرادته، شاهدٌ بوحدانيته وعظمته، دالٌ على بديع صنعهِ* وبالغِ حكمته، دائمُ التسبيحِ بحمده وعبادته، {تُسَبِّحُ لَهُ* السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ* إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ* إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [الإسراء: 44].. ولقد خلقَ اللهُ* الإنسانَ في أحسن تقويم، وكرَّمهُ أفضلَ تكريم، وزوَّدهُ بالعقل والبصر* والحواس، وحثَّهُ على التفكُّر والتأمُّلِ في بديع ما خلقَ، فقال تعالى:* {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ* وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى* وَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ} [الروم:* 8]؛ وقال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ* مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44].. وقال* سبحانه: {كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ* تَتَفَكَّرُون} [البقرة: 219].. وقال جلَّ علا: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ* نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر: 21]، وقال عزَّ* وجل: {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف: 176]..* وقد ذم الله تعالى من عطل عقله عن التفكر فقال سبحانه: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا* لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ* يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ* آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ* أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف: 179].. وقال تعالى:* {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ* عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} [يوسف: 105].. والتّفكُّرُ هو* إعمالُ العقل في آيات الله المسطورةِ في كتابة، والمنظورةِ في أرجاء كونه،* بغرض الاتعاظ وأخذ العبرة، وملاحظة الدقَّة وكمال القدرة، ومشاهدة الجمال،* وروعة التصميم، وحُسْن التنظيم، وظهور الحكمة، وتجلي العظمة.. فالتّفكرُ* عبادةٌ من أجل العبادات، تقوي الإيمان، وتردعُ عن العصيان، وتجلبُ محبة* الرحمن، وتورثُ الحكمة، وتحيي القلوب، وتغرس فيها الخوفَ والخشية، وتقوي* النفوس على امتثال الأوامرِ والنواهي، وتزيدها عِلمًا بكمال قدرة الله* ودقَّةِ إتقانه لما خلق، واتساع علمه وخبرته بخلقه، وسعة رحمته بهم، وعظم* إحسانه إليهم، وعظمِ حقه عليهم، ومدى افتقارهم وحاجتهم إليه سبحانه.. قال* أبو الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه: تَفَكُّرُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ* لَيْلَةٍ.. وقال ابن القيم: وأحسن ما أُنفِقت فيه الأنفاس التفكُّر في آيات* الله وعجائب صُنعه.. قال بِشْر بن الحارث الحافي: لو تفكَّر الناس في* عظَمة الله تعالى لَمَا عصَوْه.. وكلما كان الإنسانُ أكثرَ تفكرًا كان أكثر* علمًا وخشية لله تعالى، {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ* الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر: 28].. وفي الصحيحين:* من حديث السبعة الذين يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ* إلَّا ظِلُّهُ، وذكر منهم رَجُلٌ ذَكَرَ اللَّه خالِيًا فَفَاضَتْ* عَيْنَاهُ.. ولمن يسأل وفيم أتفكر؟ فالجوابُ أنَّ مجالات التّفكُّرِ* كثيرةٌ.. أولها) التّفكّرُ في آيات القرآن العظيم، {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ* إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو* الْأَلْبَابِ} [ص: 29].. وقال سبحانه: {كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ* لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون} [يونس: 24].. وقال تعالى: {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا* الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ* خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ* يَتَفَكَّرُون} [الحشر: 21].. وفي الحديث الصحيح، قال صلى الله عليه وسلم:* «لقد نزلتْ عليَّ الليلةَ آياتٌ ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكَّرْ فيها»: {إِنَّ* فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ...} [آل عمران: 190].. ومن أنواع* التّفكّر: التّفكّرُ في مخلوقات الله وبديع صنعه: قال تعالى: {إِنَّ فِي* خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ* لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا* وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ* السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ* فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 190].. وقال سبحانه: {يُقَلِّبُ* اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُوْلِي* الأَبْصَارِ} [النور: 44].. وقال تعالى: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى* الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى* الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية:* 17].. وقال تعالى: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي* أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [الذاريات: 20].. وقال سبحانه: {وَمِنْ* آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ* تَنْتَشِرُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ* أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً* وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:* 20].. وفي نومنا وموتنا عِبرةٌ وفكرة: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ* حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي* قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى* إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الزمر: 42].. ومن* أنواع التّفكُّر، التّفكّرُ في الدار الآخرة: قال تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ* فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ * وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ* فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً * فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ ** وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ * وَالْمَلَكُ عَلَى* أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ* * يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة: 13]..* والآيات في هذا الباب كثيرة جدًا.. ومن مجالات التّفكّرِ العظيمة،* التّفكّرُ في مصارع الأممِ الغابرة، {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ* يَتَفَكَّرُون} [الأعراف: 176].. وقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ* عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ} [يوسف: 111].. ومن أنواع التّفكّر:* التّفكّرُ في حال الدنيا وسرعةِ زوالها، وتقلُبِ أحوالها، وكثرةِ* مُنغِصَاتها، فمن تفكَّر في ذلك لم يتعلق قلبهُ بها، ولم يحزن على فوات* شيءٍ من متاعها، قال تعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا* كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ* مِمَّا يَأْكُلُّ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ* الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ* قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا* فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ* نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [يونس: 24].. وقال تعالى:* {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ** فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [البقرة: 219].. تفكرت في حشري ونشري ويوم* قيامتي.. وإصباحُ خدي في المقابر ثاويا.. وحيدًا فريدًا بعد عزٍّ ومنعةٍ..* رهينًا بجرمي والترابُ وساديا.. تفكرتُ في طول الحسابِ وعرضهِ.. وذُل مقامي* حينَ أُعطى كتابيا.. ولكن رجائي فيك ربي وخالقي.. بأنك تعفو يا إلهي* خطائيا.. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: {خَلَقَ* السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ* رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ* وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ* كَرِيمٍ * هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن* دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} [لقمان: 10].. معاشر* المؤمنين الكرام: الهداية نوعان: هداية دِلالة، فكل من دلك على شيءٍ فقد* هداك، {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم} [الشورى: 52]،* وهداية توفيقٍ، وهذه بيدِ اللهِ وحدهُ، كما قال تعالى: {إِنَّكَ لَا* تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ* أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص: 56].. وقال تعالى: {ذَلِكَ هُدَى* اللَّهِ يَهْدِيبِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر:* 23].. ولشدة الحاجةِ لهذه الهداية، شرعَ الله أن نُكثرَ من طلبها:* {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 5].. ثم إنّ أفضلَ ما* يكتسبهُ الانسانُ ويعينهُ على مصالح دينهِ ودنياه، عقلٌ راشدٌ يهديهِ* للصواب، ويرُدُّه عن الخطأ.. وكثيرةٌ هي الآيات التي تأمرُ المسلم كي* يُعملَ عقلهُ فيما خُلقَ له، {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ* لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا* فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي* فِي الصُّدُور} [الحج: 46].. وقال تعالى: {وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ* فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ* وَأَبْقَى أَفَلاَ تَعْقِلُون} [القصص: 60].. وذمّ القرآنُ من لا يستخدم* عقلهُ فيم خُلِقَ له، وعدَّه بمنزلةٍ أقلّ من الحيوان، تأمل: {إِنَّ شَرَّ* الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ ** وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ* لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال: 22].. ويَقُولُ الخليفة* الراشد عَلِيٌّ بن أبي طالب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: لَقَدْ سَبَقَ إِلَى* جَنَّاتِ عَدْنٍ أَقْوَامٌ مَا كَانُوا بِأَكْثَرِ النَّاسِ صَلَاةً وَلَا* صِيَامَا وَلَا حَجَّا وَلَا اعْتِمَارَا، وَلَكِنَّهُمْ عَقَلُوا عَنِ* اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مَوَاعِظَهُ، فَوَجِلَتْ مِنْهُ قُلُوبُهُمْ،* وَاطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ نفُوسُهم، وَخَشعَتْ لهُ جَوَارِحُهم.. وقال بعض* الحكماء: (ركّبَ اللهُ الملائكةَ من عقلٍ بلا شهوة، وركب البهائم من شهوةٍ* بلا عقل، وركب ابن آدم من كليهما، فمن غلب عقله على شهوته فهو خير من* الملائكة، ومن غلبت شهوته على عقله فهو شرٌ من البهائم).. والأمر ليس سهلًا* يا عباد الله: فكم من النصائحِ والمواعظِ سمعناها وعقلناها، واقتنعنا* بجدواها، ثم لم نستفد منها حتى نسيناها؟.. كم من المواقف والأحداث التي مرت* بنا، وكان ينبغي أن نتخذ حيالها موقفًا معينا، ولكننا لم نفعل الصواب،* لأننا خضعنا لأهوائنا ولم نخضع لعقولنا.. فهذه يا عباد الله: دعوةٌ صادقةٌ،* أن نُعمِلَ عقولنا فيم خُلقت له، وبما يعودُ علينا بالمنفعة عاجلًا* وآجلًا، فمن عطَّلَ عقلَه عمَّا خُلقَ له، ولم ينتفِع به في معرفة الحقِّ* واتباعه، ومعرفة الباطلِ واجتنابِه، وتعلُمِ الخيرِ والمُسارعةِ لفعله،* ومعرفةِ الشرِّ للابتِعادِ عنه والتحذير منه، فهو لا شك من الخاسِرين، ولن* ينفعه ما تمتَّع به في الدنيا، بالغًا ما بلغ، وسيندَمُ في يومٍ لا ينفعُ* فيه الندَمُ: {يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُون * إِلاَّ مَنْ أَتَى* اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيم} [الشعراء: 89].. و : {وَقَالُوا* لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ** فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك:* 10].. قال الإمام ابن القيم: ليس شيءٌ أنفعَ للعبد من الصدقِ مع ربهِ في* جميعِ أمورهِ؛ فاللهُ تعالى يقول: {فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ* صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} [محمد: 21]، وفي الحديث المتفق* عليه: «إن الصدقَ يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة».. فجعلني الله* واياكم من الصادقين الموفقين، الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك* الذين هداهم الله، وأولئك هم أولوا الألباب.. ألا فاتقوا الله عباد الله،* واستبقوا الخيرات قبل فواتها، وحاسبوا أنفسكم على زلاتها، وكفُّوها عن* التماديِ في شهواتها.. واعلموا أنّ من نظرَ في العواقب نجا، ومن أطاع النفس* والهوى، تردى وهوى، و {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ* وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [النساء: 80]..* ويا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت* فإنك مجزي به، البر لا يبلى والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين* تدان.. اللهم صلِّ على محمد* * * *
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|