الذّنوب
خلق الله تعالى الإنسان وأمره بطاعته، وحذّره من عصيانه، وجعل فطرته قابلةً لارتكاب المعصية؛ فالنّفس من أحوالها أنّها أمّارة بالسوء، لذا فالمرء مُعرَّض لأن يقع بالزّلل أو الضلال، هو ليس نبيّاً مُرسَلاً، ولا مَلَكاً مُقرَّباً، ومن هنا يعترف الإسلام بقابليّة المسلم للوقوع في الخطأ، والمشكلة تكمنُ في الاصرار عليه، والتّمادي بفعله، فالأتقياء إذا ظلمو أنفسهم بمعصية سرعان ما تذكّرو الله، فيستغفرونه ويتوبون إليه، وقد حذّر الشرع أتباعه من الاستجابة لوسوسة الشيطان، أو اتّباع هوى النّفس ونزواتها، وفي سبيل ذلك حثّ على استحضار العبد لمراقبة الله تعالى، خاصّةً في الخلوات، فما هي ذنوب الخلوات، وما أثرها على العبد، وكيف يتمكّن من اجتنابها؟
تعريف الذّنب
لبيان المقصود من ذنوب الخلوات، لا بدّ من بيان تعريف الذنب لغة واصطلاحاً
على النحو الآتي:
الذنب في اللغة:
مفرد، وجمعه ذنوب، وهو ارتكاب الأمر غير المشروع، ويُسمّى الذنب: إثماً، وجُرماً، ومعصيةً.
الذنب في الاصطلاح الشرعي: هو فعلٌ ما، حذّر منه الله سبحانه وتعالى ممّا جاء النهي عن تركه في الأحكام الشرعيّة، سواءً أكان قولاً أم فعلاً، ظاهراً كان أم باطناً، ويشمل أيضاً ترك ما أمر الله تعالى به من أوامر، والذنوب في الإسلام تُقسَم إلى قسمين، وبيان ذلك كالآتي:
كبائر الذنوب: كلّ ذنبٍ اقترن شرعاً بوعيد شديد؛ مثل: دخول نار جهنّم، أو عذاب، أو غضب، أو لعنة.
صغائر الذنوب: كلّ ذنبٍ ما دون الحدّين؛ حدّ الدنيا، وحدّ الآخرة.
ذنوب الخلوات
ذنوب الخلوات هي المعاصي التي يرتكبها المرء في حال غيبته عن النّاس واختلائه بنفسه، ولا يدخل بها حديث النّفس الذي يطرأ أحياناً على خاطر الإنسان، ولكن إذا استرسل بها، أو استجلبها فإنّها تُعدّ من ذنوب الخلوات القلبيّة، ولا تدخلُ بها كذلك صغائر الذنوب التي لا يسلم منها أحد من العباد، دون استرسال بارتكابها، وقد ورد بيان حال أصحاب ذنوب الخلوات في قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (لأعلَمَنَّ أقواماً من أمَّتي يأتون يومَ القيامةِ بأعمالٍ أمثالِ جبالِ تِهامةَ بيضاءَ؛ فيجعلُها هباءً منثوراً، قال ثوبانُ: يا رسولَ اللهِ، صِفْهم لنا، جَلِّهم لنا لا نكونُ منهم ونحن لا نعلمُ، قال: أما إنَّهم إخوانُكم ومن جِلدتِكم، ويأخذون من اللَّيلِ كما تأخذون، ولكنَّهم قومٌ إذا خلَوْا بمحارمِ اللهِ انتهكوها).
ويظهر من الحديث أنّ المقصود بهم الذين لا يراعون لله تعالى حرمةً من المنافقين وأهل الرّياء، ومن كانت عنده الجرأة على الاستخفاف بحدود الله، فمن هؤلاء من تكون خلواته في مشاهدة الفضائيات الفاسدة، والنظر إلى المواقع الإباحية، ثمّ تجد هؤلاء لهم نصيب من الاستقامة في الظاهر، ولذا جاء الحديث مُحذِّراً لهؤلاء لئلّا يكون حالهم حال المنافقين.
وقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (إِذَا خَلوا بِمَحَارِمِ الله) في الحديث السابق لا يعني بالضرورة خلوتهم في بيوتهم وحدهم، بل قد يكونون مع مَن هم على شاكلتهم، ويدخل في معنى انتهاك حرمات الله مَن إذا سمحت لهم الفرصة وقعوا في محارم الله
وشأن المنتهكين لمحارم الله تعالى أنّهم إمّا يستحلّون فعل ذلك لأنفسهم بعيداً عن مرأى النّاس، أو يبالغون فيها بالخلوات ويستمرؤونها وكأنّهم قد أمنوا مكر الله وعقوبته لهم، ومن هنا جاء النّص بالوعيد بحبوط أعمالهم، باعتبار أنّ ارتكابهم للذنوب في الخلوات يدلّ على عدم استشعارهم مراقبة الله تعالى واطّلاعه عليهم.
مساوئ ذنوب الخلوات
الذنوب الخلوات العديد من الآثار على فاعلها في الدنيا والآخرة، منها:
عدم كمال العبوديّة لله تعالى.
نفور المؤمنين من العبد الذي يخالف أمر الله تعالى في خلواته، فما أسرّ عبد سريرةً إلّا أظهرها الله تعالى على قسَمات وجهه، وفلتات لسانه خيرها وشرّها.
الخلوة هي اختبار شديد تظهر نتائجه في الدنيا والآخرة، : (يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ). التقوى لا تكتمل دون صلاح السريرة، وهذا مُنعدِم في مُنتهك محارم الله تعالى في خلواته، لأنّ تقوى الله ومخافته في السرّ أصعب منها في العلن.
لكنّها أعظم أجراً؛ فالدافع إليها خشية الله وحده.
سيّئات الخلوات
تُبطِل حسنات العلن.
سوء الخاتمة؛ هي عقوبة إلهيّة على عدم صدق العبد، قال ابن رجب: (خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة بين العبد وربه). ذنوب الخلوات تدلّ على ضعف تعظيم الله وأوامره في قلب العبد كما يليق بجلال الله تعالى، خشية الناس في قلوب الهاتكين أعظم من خشية الله.
أخطر ما في ذنوب الخلوات أنّ اعتيادها يبثّ اليأس في قلوب العُصاة، فينقطعون عن التوبة.
كيفيّة التخلص من ذنوب الخلوات
يستطيع المرء الواقع في ذنوب الخلوات أن ينجوَ بنفسه بعدّة طرق، منها:
الإقلال من الخلوات بالنفس، بعض الناس يكون مدخل الشيطان إليه وسيطرته عليه خلال خلواته.
الدعاء والتّذلل بين يدي الله سبحانه وتعالى بأن يُصلِح الله ما أفسده المرء على نفسه من سلطان الهوى والشّهوات.
تذكّر ستر الله تعالى على العبد، وأنّ ستر الله لمنتهك الحرمات دليل على أنّ الله سبحانه وتعالى ما يزال يمنح العبد فرصةً للتوبة والإنابة.
تذكّر الوقوف بين يدي الله عزّ وجلّ يوم القيامة، وأنّه سيُكلّم ربّه، قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (ما منكم من أحدٍ إلا سيُكلِّمُه ربُّهُ، ليس بينَه وبينَه تُرجمانٌ، ولا حجابٌ يحجبُه).
استحضار موقف انكشاف أمر العبد في خلواته أمام من يحترمونه. استذكار أنّ الخلوة في حياة المؤمن يجب أنّ تكون صلةً بالله تعالى، ودموعَ خشيةٍ بين يديه.
استشعار العبد مراقبة الله تعالى له، وأنّه لا تخفى عليه خافية. استحضار العبد عداوة الشيطان له، وأنّ فرحة التائب هي الانتصار على الشيطان، والخلاص من سلطانه.
منقول للفائدة
جزاك الله خيرا ونفع بك الأمة الإسلامية
بارك الله فيك وفي ميزان حسناتك
الله يعطيك الف العافية
على هذا الموضوع المميز
معلومات مفيدة جدا
ننتظر جديدك المميز
ودي وتقديري واحترامي واعجابي وتقيمي ونجومي