كيف نفهم قضية فلسطين للمفكر الجليل والكاتب الكبير محمد جاد الزغبي

لازال في كتّابنا المعاصرين ومفكرينا مبهرين من يبهرنا بكتابتهم وتحليلاتهم الفكرية
ومن الاعجب أن يأسرك مؤلف لأحدهم فيجعلك تترك بعض مهامك الرئيسة لتبقى مع ما كتب.
هذا هو الحال مع كتاب ( كيف نفهم قضية فلسطين ) للدكتور محمد جاد الزغبي
والاستاذ يعد من أبرز المفكرين المصريين في هذا العصر فهو صاحب تحليلات ودراسات في التاريخ السياسي فأبدع فيه ابداعا عجيبا، والتي لم تقتصر على السياسة فقط بل انتقل لدراسات تحليلية عقدية طالت مجموعة من الأعداء من خلال كتب وبرامج اعظمها- وكلها عظيمة- رده على ابراهيم عيسى في برنامج استديو صفا تحت عنوان - متلازمة السفلة الاواخر-
وسفراء جهنم دراسة في سياسة ايراني تاريخيا وعقديا
وكتابه هذا ( كيف نفهم قضية فلسطين) من الكتب التي أبدع فيها كعادته مقدما له بميزان دقيق جدا لا يتقنه الا متمرس وهو رؤية التاريخ بعدة أعين وعدة عدسات هي:
العدسة المستوية: القائمة على النظر للتاريخ النظرة الأكاديمية لتقديم مادة خام للمحلل
ثم أعقبها بالعدسة المحدبة والتي تقوم على تصغير الأحداث ليستفيد الباحث من نظرة واسعة على الأحداث والتركيز على أهم النقاط
والعدسة المقعرة: القائمة على رؤية الأحداث بدقة عالية حتى يستطيع الباحث من رؤية النقاط الحساسة التي تغير الموازين
وهذا ما فصله في مقدمة تعتبر كالتمهيد لفهم الكتاب وهي مفتاحه ومختصره

الفصل الأول: وكان بعنوان: في البدء كانت فرنسا
قسمه إلى عدة أقسام متناسقة
١: تحدث بسرد مع التعليق على أهم الأحداث لما كان في العصور الوسطى من ظلم الممالك الأوروبية لشعبها، وما أعقبها من ثورات بدأت بفرنسا لتنقلها من دولة قائمة على الجبروت الملكي إلى سياسة ثورية ( تعبيري) يقوده نابليون
٢: دراسة في شخصية نابليون وإشارة إلى شيئ من قدراته العسكرية والفكرية والسياسية والتي اكتسبها من إدمانه لدراسة تاريخ الحروب الصليبية ما أكسبه عقلية المحارب الصليبي الذي يقاتل لعقيدته
ثم درس وضع الشرق الأوسط فعلم أن قوته تكمن في اتحاد تلك الرقة التي كان مركزها مصر والوريد هو الطريق وصلها مع الشام فعزم على قطع ذلك الوريد بزرع جسم غريب في تلك المنطقة وكان الحل الوحيد هو التخلص من اليهود الذين تشتتوا في أوروبا ليكونوا عالة عليها
بعد ثم بعد فشله في احتلال مصر وخسارة معارك العودة إلى فرنسا تبنت بريطانيا مشروعه وعليه بنى الفصل الثاني
الفصل الثاني: في الوسط... كانت بريطانيا
في هذا الفصل أظهر الدور البريطاني بعد الثورة الصناعية ومحاولتها الحثيثة في تفتيت كيان الدولة العثمانية وتعجيل تقسيم التركة وذلك بنشر ثقافتها ولغتها في أقطار الشرق الأوسط وكالعادة كانت البداية من عاصمته وقلبه - مصر- تخطيط دقيق متقن وصبر عظيم على ليتحقق ذلك المشروع على المدى الطويل
فاسست مؤسسات تعليمية في الاسكندريه لتدرس النخب ليكونوا قادة وصناع قرار في مناطقهم كل في ميدانه.
ثم تضرب التعليم عن طريق تكوين البعثات التي تأتيها من مصر الى اوروبا.
كما سعوا بتحريك بعض دعاة التغريب، ليشككوا في ثوابت الأمة وتاريخها ولغتها.، فمنهم من كان متآمر تآمرا واضحا يسعى لتزيين اليهود في نظر الناس، ومنهم المخدوع الذي حاول نقل حضارة الغرب لمصر والعالم العربي.
وبعد الانتقال من التعليم الازهري للتعليم المدني، تم تهميش التعليم الازهري وازدراء العربية والتاريخ العربي لينتقل امثال طه حسين إلى تجسيد فكر مرجليوث اب الاستشراق والتشكيك، لهدف واحد وهو: تخفيف حدة الشعوب وكراهيتها لليهود، وذلك توطئة لنقلهم إلى فلسطين وبعد الاحتلال البريطاني وما فعله في مصر من هذه الخروقات بل ووضع امثال الملك فاروق على سدة الحكم تم لهم ما أرادوا لكن بطريق اخر غير تغيير قناعات الشعوب، ولا حتى بالاضطهاد مع أنهم عانوا ماعانوا بل كان ذلك بابعاد مصر عن الساحة السياسية والغوص في شبه الجزيرة العربية.
تقسيمات الشرق الأوسط: استطاعت بريطانيا بسياسة خبث عجيبة - فرق تسد- بتفكيك شبه الجزيرة العربية إلى دويلات وامارات وذلك بعد إنشاء جيش عظيم جدا بل لم تسبق إلى وهو جهاز الاستخبارات فكونت جواسيس وعملاء ليدخلوا في القبائل فيخلقوا فيها نزاعات يشتغل فيها كل جماعة باخوانهم حتى يتسنى لها هي العمل بدون أي مقاومة، ثم وعدت بعضهم بتسليم الرقع الجغرافية ليحكموها بشرط ألا يتدخلوا إلا فيما هو تحت حدودهم.
وبجيش الاستشراق في مصر
والمتناحرين في شبه الجزيرة والشام تم لبريطانيا القسط الأكبر من المشروع لتبدأ بالتخلص من اليهود إلى فلسطين لتحدث أزمة الحرب العالمية( الاولى والثانية)


إن اكبر كابوس يهدد الغرب هو الشعوب التي اذا تحركت غيرت، ولهذا كان من أهم أهداف الكاتب في كتابه إيصال مجموعة من الأفكار من أهمها: "الفارق الضخم بين عزيمة الشعوب إذا تحركت وبين مساخر الحكومات والنظم الرسمية التي ادمنت التبعية".
وهو ما سطره من خلال سرد مجموعة من الأحداث المتتابعة في فصله الثالث ـ اخر فصول الكتاب ـ المعنون:
#في-النهايةـكانتـامريكا: وهو أطول فصول الكتاب لتتابع أحداثه وانتقال الكاتب من التحليل إلى السرد ( مع بعض التعليق) فبدأ بالحرب العالمية الثانية حيث تحولت امريكا فيها من متفرج إلى مقاتل بل ومصدر قوة مضادة للاتحاد السوفياتي، لتنتهي الحرب العالمية مغيرة نقاط القوة من فرنسا وبريطانيا إلى أمريكا وحدها لتصير قطب العالم.
ومع ذلك الفشل والانهاك الذي خرجت به بريطانيا وفرنسا من الحرب جاء دور العرب ليثبتوا وجودهم في حرب ٤٨ والتي قادها مجموعة من القادة فتكون فلسطين كرقعة شنطرنج غير أن اللاعبين كانوا أكثر من اثنين
وهم قيادات الحكومات العربية (والخونة) أو العملاء المزدوجون

و الجيش الذي تكون من المتطوعين بقيادة بعض الضباط الذين انشقوا من الجيش العربي بعد معرفة قادته

والجيش العربي نفسه الذي كان في بعض قياداته ضباط بريطان وهذه من أعظم المهازل على الاطلاق أن يؤتى بقائد ميداني مستعمر فيطلب منه محاربة جنوده ليحرر أرضا هو المستعمر فيها
بل الاعظم من ذلك أن يكون من صناع القرار من المتعاونين مع اليهود تحت الطاولة. لتنتهي الجولات الاولى من المعارك بانتصارات ساحقة للجيش المصري وكتائب المتطوعين،

ولم ينعم الابطال بهذا النصر طويلا حتى يحدث الانقلاب بسبب القيادات الفاشلة في تلك الجيوش والمتآمرة لتنتهي الحرب بخسارة العرب فيها.
غير انهم فازوا بأمر لا يقل أهمية عن فلسطين وهو عودة الهيبة لهم ليكونوا قوة في العالم السياسي.

لتأتي اخيرا ثورة الضباط الأحرار ويستلم عبد الناصر سدة الحكم ساعيا لإصلاح ما أفسده الذين كانوا قبله فاصلح ما أصلح رغم ديكتاتوريته ولم يهنأ بهذا المنصب ليظهر له أعداء خارج الدولة وحتى داخلها، إذ أن القضية الفلسطينية كانت أولوية لعبد الناصر ما جعله يكتسب شعبيته العظيمة في كل دول العالم إضافة إلى قوة شخصيته وقوميته العربية التي دفعته لأن يكون ندا لزعماء الدول الأوروبية اكسبته شعبية اكبر فاراد بعض الحكام أن يكون له هذه الشعبية وهذه عادتنا
لا يهنأ منا أحد بشي الا نوزع فيه وهي من أهم نقاط الكتاب التي أثبتها المؤلف وهي أنه بدل من محافضتنا على الانتصار والسعي في تطويره نسعى لأن نكون في واجهة الممدوحين وأوائلهم متناسين أن الغرب يعمل عكس ذلك وهي دراسة اسباب خسارته إضافة إلى نقاط ضعفنا ليستغلها
ومن هنا تطورت الحرب من حرب بنادق إلى حرب استخبارات فحركت الاستخبارات الحكومة السورية لدفع عبد الناصر للدخول في حرب مع الصهاينة على سيناء وهو نفسه كان جيشه منهكا في الثورة اليمنية
لتتواصل بعض دول الخليج مع اليهود حاثين لهم على تلك الحرب فاندلعت الحرب التي كبدت اليهود فيها خسائر سياسية وعسكرية عظيمة جدا بحنكة عبد الناصر وجهاز مخابراته إضافة إلى انضمام بعض الرؤساء له ليخرجوا منها بنكسة بعد الخيانات التي كانت من بعض دول الخليج
ليموت عبد الناصر بعدها ويتولى السادات الذي وقع ما يسمى كامد ديفد وهي أول وثيقة تطبيع بين الحكومات العربية وبين اليهود
ثم تتأسس بعدها عدة منظمات مقاومة على رأسها منظمة ياسر عرفات والذي كان في بداية أمره مقاوما باسلا ثم ما لبث إلى انبهر بالاضواء التي سلطت عليه فسعى لإقامة دولة فلسطينية واجهد نفسه للقاء اليهود على ذلك حتى اضطر إلى تقديم كل تنازل ممكن وفعل.
لتؤخر ذلك انتفاضة الاطفال ( وهو تعبير مني) لتثبت له ولامثاله أنه مهما قدم من تنازلات فلن يمثل إلا نفسه والتي قتل فيها الاطفال وكسرت عظامهم ورغم ذلك بقوا صامدين صمود الجبال محركين القوة الثانية وهي الإعلام في صالحهم ليرغموا اليهود على شروطهم
لكن للاسف ركب تلك الموجة المبهورين بالاضواء والموهومين بالكلمات والالقاب.
وينبغي أن ننتبه إلى نقطة مهمة وهي ما يعتبر أحد أدلة انفصال الشعوب عن حكوماتها، وهي أن الساعي لصلح عرفات مع اليهود هو ما يسمى برئيس فلسطين محمود عباس الذي أصبح ضابط لفرقة الخونة في الجيش الصهيوني وله دور رئيس في طوفان الأقصى لكن ليس مع حماس بل مع النتن ياهو.
ليستفيق عرفات على حقيقة مرة وهي أن ما قدمه لإسرائيل إنما هو حمايتها وقتال أبناء وطنه في سبيلها فقضى نحبه بعد هذه الحقيقة المرة
ليختم المؤلف كتابه بكلمات تكتب بماء الذهب بل بماء العيون قائلا :

لقد عرضنا لك تاريخ قضية فلسطين و المواجهة بينها وبين الغرب ورايت أن تاريخ الصراع بيننا وبينهم مر بمحطات متكررة تتلخص في أمرين لا ثالث لهما
الأمر الأول: هو أمر أولئك الذين أعلنوا أنه ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، ورفضوا اغماد سلاحهم مهما كانت الظروف
الأمر الثاني: هم أولئك الذين رفعوا رايات السلام وسعوا سعيا حثيثا إلى المفاوضات مع اليهود من منطلق الضعف لا من منطلق القوة
فكيف ترى النتيجة بين هؤلاء وهؤلاء..؟
واي فريق حاز شرف المقاومة دون هوان
واي فريق حاز الذل والمهانة وتعرض نسف كافة العهود والاتفاقات...؟؟
والأهم من ذلك كله عزيزي القارئ هل أدركت أهمية دراسة التاريخ الذي يجيده خصومنا ويحرموننا منه ؟؟
هل فهمت الان كيف يمكن أن نفهم أنفسنا ونفهم عدونا ، بالمطالعة والصبر والقراءة والسعي للوعي مهما كانت العقبات،
وهل فهمت الان كيف نفهم قضية فلسطين
فليتنا نكتب هذه الكلمات في أول كل صفحة من كراساتنا وليتنا ننظر إليها كل وقت أعلنت نستفيق من خفلتنا
ليظهر الفارق بين الارادتين:
فإن الشعوب في حرب ٣٦ اثخنت حرب العصابات في البريطان

كما اثخنت فيهم في أحداث ٦٧

ولم يهدأ الوضع حتى كان للعرب ( الشعوب) دور في تكسير الاتحاد السوفياتي في الافغان والشيشان وكادوا يصلون إلى موسكو ( والتي كانت أكبر عار طال العرب عن طريق حكوماتهم، لان الحليف الاستراتيجي للعرب كان الاتحاد السوفياتي، والذي كان يكره الغرب وكان قوة تجابه امريكا ولا تهابها غير أن حكامنا خدعونا لدفع ابنائنا في الحرب تحت راية القضاء على الشيوعية، وتكفير عبد الناصر للتحالف مع السوفيات الشيوعي في المقابل كانوا متحالفين مع أمريكا الذراع الصهيوني لنقوم نحن بقتل ابنائنا في بلداننا تحت شعار القضاء على الإرهاب الذي رجع من الأفغان ).

بخلاف الحكومات التي كانت ترى من الغرب المثل الأعلى والاب الروحي لها
بل وصلت لدرجة أن خوطبت من طرفه بأسلوب السيد لعبده.
وهنا تكمن دلالة النظريتين
الاولى: أن الشعوب هي القوة والسلطة
والثانية: أن الغرب لا يحترم الا صاحب القوة فمتى ما سقطت قوتك صرت عبدا عندهم

ثم ختم المؤلف مشكورا على جهده كتابه بفصل خاص وهو دراسة للأستاذة الباحثة: نيرة كروش عن المسجد الأقصى وتاريخه وبناياته وترميماته.

والكتاب حقيقة كنز يجب أن يقرأ كل فترة لانه لا يؤرخ لاحداث فلسطين وقضيتها بل يؤرخ لاحداث الوطن العربي ككل مسلطا الضوء على أهداف الغرب ومساعيهم في هذه البلاد
جزى الله كاتبنا الكبير ومفكرنا العظيم على ما سطره

ناطق العبيدي معجب بهذا

تحياتي ازفهااا اليك محمله ببقات من الشكر والعرفان
بتميزك ورعه قلمك
بابداعك وسحر نقشك
اجد جمال اخاذ بين الحروف
واتوه بين السطور
لك ودي وعبق وردي

يعطيك الف الف عافيه
موضوع رااائع وجهود أروع
ننتظر مزيدكم بشوووق