عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجالًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أُروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان منكم متحرِّيها، فليتحرَّها في السبع الأواخر).
: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ
وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾ [القدر: 1 - 5]
• قال ابن كثير: يخبر الله تعالى أنه أنزل القرآن ليلة القدر، وهي الليلة المباركة التي قال الله عز وجل: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ﴾ [الدخان: 3]
وهي ليلة القدر، وهي من شهر رمضان؛ كما قال تعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ﴾ [البقرة: 185].
قال ابن عباس وغيره: أنزل الله القرآن جملةً واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا
ثم نزل مفصلًا بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة على رسول الله[1].
• وقال البغوي: سُميت ليلة القدر؛ لأنها ليلة تقدير الأمور والأحكام، يقدِّر الله فيها أمر السَّنة في عباده وبلاده إلى السنة المقبلة
كقوله تعالى: ﴿ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴾ [الدخان: 4]، قيل للحسين بن الفضل: أليس قد قدَّر الله المقادير قبلَ أن يخلق السماوات والأرض؟
قال: بلى، قيل: فما معنى ليلة القدر؟ قال: سوق المقادير إلى المواقيت، وتنفيذ القضاء المقدر، وقال الأزهري: "ليلة القدر"
أي: ليلة العظمة والشرف من قول الناس: لفلان عند الأمير قدرٌ؛ أي: جاه ومنزلة، ويقال: قدرت فلانًا؛ أي: عظَّمته
: ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ﴾ [الأنعام: 91] [الزمر: 67]؛ أي: ما عظَّموه حقَّ تعظيمه.
وقيل: لأن العمل الصالح ليلة يكون فيها ذا قدر عند الله لكونه مقبولًا[2].
قوله: وما أدراك ما ليلة القدر؛ أي: ما أعلَمك.
قال البخاري: قال ابن عيينة: ما كان في القرآن ﴿ ما أدراك ﴾ فقد أعلمه، وما قال: ﴿ وما يدريك ﴾ فإنه لم يعلمه[3].
• قال الخازن: قوله عز وجل: ﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ﴾؛ أي: شيء يبلغ درايتك قدرها ومبلغ فضلها
وهذا على سبيل التعظيم لها، والتشويق إلى خيرها، ثم ذكر فضلها من ثلاثة أوجه:
فقال تعالى: ﴿ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾، قال ابن عباس: ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من بني إسرائيل
حمل السلاح على عاتقه في سبيل الله ألف شهر، فعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك، وتمنَّى ذلك لأمته، فقال:
يا رب جعلتَ أمتي أقصر الأمم أعمارًا، وأقلها أعمالًا، فأعطاه الله تبارك وتعالى ليلة القدر، فقال: ﴿ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾
التي حمل فيها الإسرائيلي السلاح في سبيل الله لك ولأمتك إلى يوم القيامة -إلى أن قال- الوجه الثاني: قوله عز وجل: ﴿ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ ﴾:
يعني إلى الأرض والروح يعني جبريل عليه الصلاة والسلام، قاله أكثر المفسرين، وفي حديث أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((وإذا كانت ليلة القدر نزَل جبريل في كوكبة من الملائكة يصلون، ويُسلمون على كل عبد قائم أو قاعد يذكر الله عز وجل)؛ ذكره ابن الجوزي.
قوله: ﴿ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ﴾؛ أي: بكل أمرٍ من الخير والبركة، وقيل: بكل ما أمرٍ به وقضاه من كل أمر.
الوجه الثالث: من فضلها قوله تعالى: ﴿ سَلَامٌ ﴾؛ أي: سلام على أولياء الله وأهل طاعته، قال الشعبي: هو تسليم الملائكة في ليلة القدر
على أهل المساجد من حين تغيب الشمس إلى أن يطلع الفجر، وقيل: الملائكة ينزلون فيها كلما لقوا مؤمنًا أو مؤمنة
يُسلمون عليه من ربه عز وجل، وقيل: تَمَّ الكلام عند قوله: ﴿ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ﴾، ثم ابتدأ فقال تعالى: ﴿ سَلَامٌ هِيَ ﴾ يعني ليلة القدر سلامة وخير
ليس فيها شرٌّ، وقيل: لا يقدر الله في تلك الليلة ولا يقضي إلا السلامة، وقيل: إن ليلة القدر سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمَل فيها سوء
أو يُحدث فيها أذًى حتى مطلع الفجر؛ أي: إن ذلك السلام أو السلامة تدوم إلى مطلع الفجر، والله سبحانه وتعالى أعلم بمراده؛ انتهى ملخصًا[4].
• قوله: (أُروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر).
• قال البخاري: باب التماس ليلة القدر في السبع الأواخر[5]، وذكر الحديث، وذكر حديث أبي سعيد: اعتكفنا مع النبي صلى الله عليه وسلم
العشر الأوسط من رمضان، فخرج صبيحة عشرين فخطبنا، الحديث وفيه فالتمسوها في العشر الأواخر في الوتر.
• وقوله: (أروا) بضم أوله؛ أي: قيل لهم في المنام: إنها في السبع الأواخر، والظاهر أن المراد به أواخر الشهر، وفي رواية: أن ناسًا أُروا
ليلة القدر في السبع الأواخر، وأن ناسًا أروا أنها في العشر الأواخر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (التمسوها في السبع الأواخر).
• قال الحافظ: (وكأنه صلى الله عليه وسلم نظر إلى المتفق عليه من الروايتين فأمر به.
• قوله: "أرى" بفتح الهمزة؛ أي: أعلم.
• وقوله: (تواطأت)؛ أي: توافقت وزنًا ومعنًى.
• قال الحافظ: وفي هذا الحديث دلالة على عظم قدر الرؤيا وجواز الاستناد إليها في الاستدلال على الأمور
الوجودية، بشرط ألا يخالف القواعد الشرعية)[6]؛ انتهى والله أعلم.
[1] تفسير ابن كثير: (8/ 441)
[2] تفسير البغوي: (8 /482).
[3] صحيح البخاري: (3 /59).
[4] تفسير الخازن: (4 /452).
[5] صحيح البخاري: (3 /59).
[6] فتح الباري: (4 /257).
_ الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|