سلامة الصدور ثمرات وأجور
سلامة الصدور.. ثمرات وأجور .
كيف السبيل إلى سلامة الصدور؟
أيها المسلمون عباد الله، إن لانشراح الصدر، وسلامة القلب من أمراضه أسبابًا عديدة؛ ومنها:
1- التعلق بالله تعالى، والتضرع والدعاء، وكثرة سؤال الله عز وجل أن يطهر القلوب من أمراضها.
ولذا كان من دعاء أهل الإيمان: ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10].
وعن شداد بن أوس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في صلاته: ((اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، وأسألك شكر نعمتك، وحسن عبادتك، وأسألك قلبًا سليمًا، ولسانًا صادقًا، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم، وأستغفرك لما تعلم))، وقد جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ((واسْلُلْ سَخِيمةَ قلبي))؛ أي: أخْرِجْ من قلبي الحقد والغل، والحسد والغش.
2- اجتناب أسباب التشاحن والتباغض.
ومن أخطرها: انفتاح الدنيا والتنافس عليها؛ ففي الصحيحين عن عمرو بن عوف الأنصاري رضي الله عنه، في قصة قدوم أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه بمال البحرين، وسمعت الأنصار بقدومه، فوافت صلاة الصبح مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآهم، قال: ((والله ما الفقرَ أخشى عليكم، ولكني أخشى أن تُبسَطَ عليكم الدنيا، كما بُسِطَتْ على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم)).
وفي صحيح مسلم عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم لأصحابه: ((إذا فُتِحَتْ عليكم فارسُ والروم، أي قوم أنتم؟ قال عبدالرحمن بن عوف: نقول كما أمرنا الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو غير ذلك، تتنافسون، ثم تتحاسدون، ثم تتدابرون، ثم تتباغضون)).
وقد لخَّص النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأسباب في هذا الحديث العظيم؛ كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يَبِعْ بعضكم على بَيْعِ بعض، وكونوا عباد الله إخوانًا، المسلم أخو المسلم: لا يظلمه، ولا يحقِره، ولا يخذُله، التقوى ها هنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات، بحسب امرئ من الشر أن يحقِرَ أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعِرْضه)).
3- المسارعة في الإصلاح عند أي خلافات، فكل تأخير له تأثير على القلوب.
فتذكروا - يا عباد الله - أنه في ليلة النصف من شعبان قد حُرِمَ أناس من المغفرة والرحمة؛ لأنهم ملؤوا قلوبهم حقدًا على إخوانهم، فعليكم دور كبير في أعناقكم؛ وهو تفقُّد هؤلاء المتشاحنين، والسعي بينهم في الصلح وتقريب القلوب، وتأليفها؛ : ﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 114]، وفي سنن أبي داود عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألَا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إصلاح ذات البين؛ فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين)).
4- محبة الخير للمسلمين.
ففي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((لا يؤمن أحدكم، حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه))، والمعنى: "لا يكمل إيمان أحدكم حتى يحب لأخيه في الإسلام مثل ما يحب لنفسه".
وهذا كله إنما يأتي من كمال سلامة الصدر من الغل والغش والحسد؛ فإن الحسد يقتضي أن يكره الحاسد أن يَفُوقه أحد في خير، أو يساويه فيه.
5- الإكثار من الصيام، وخاصة صيام ثلاثة أيام من كل شهر.
فإن الصيام سبب لإزالة ما في القلوب من الفساد، فتُقْبِل النفوس على الصفح والعفو والمسامحة؛ فعن أبي ذر رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((صوم شهر الصبر – أي: رمضان - وثلاثة أيام من كل شهر صومُ الدهر، ويُذْهِب مَغَلَة الصدر، قال: قلت: وما مغلة الصدر؟ قال: رجز الشيطان))، وفي رواية: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أفلا أخبركم بما يذهب وَحَرَ الصدر؟ قالوا: بلى، قال: صيام ثلاثة أيام من كل شهر))؛ [رواه النسائي، وصححه الألباني].
6- الإقبال على كتاب الله تعالى.
فإن من أعظم أسباب سلامة الصدر وانشراحه: الإقبال على كتاب الله تعالى تلاوةً وحفظًا، وتعلمًا وتدبرًا، فكلما أقبل العبد على كتاب ربه سلِم صدره، وصلح قلبه؛ كما : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس: 57].
7- مطالعة أحوال السلف.
فهذا ابن مسعود رضي الله عنه يصف لنا أحوالهم، وقد سُئِل: كيف كنتم تستقبلون شهر رمضان؟ قال: "ما كان أحدنا يجرؤ أن يستقبل الهلال وفي قلبه مثقال ذرة حقد على أخيه المسلم"، الله أكبر! إنها قلوب سليمة، فلم يسبقنا السلف إلى الله تعالى بكثرة الركوع والسجود فقط، ولكنهم سبقونا بنقاء القلوب وسلامة الصدور.
وهذا أبو دجانة رضي الله عنه، وقد حَبَاه الله تعالى نعمة سلامة الصدر، دخل عليه وهو مريض، وكان وجهه يتهلل، فقيل له: ما لوجهك يتهلل؟ فقال: "ما من عمل شيء أوثق عندي من اثنتين: كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، وأما الأخرى فكان قلبي للمسلمين سليمًا".
وهذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، يقول عنه تلميذه ابن القيم رحمه الله: أنه ما رأى أحدًا أجمع لخصال الصفح والعفو وسلامة الصدر من ابن تيمية، وأن أحد تلاميذه بشَّره بموت أكبر أعدائه الذين آذَوه، فنهره، وغضِب عليه، وقال: تبشرني بموت مسلم، واسترجع وقام من فوره، فعزى أهل الميت، وقال لهم: إني لكم مكانه.
وقال سفيان بن دينار رحمه الله: "قلت لأبي بشر: أخبرني عن أعمال من كان قبلنا، قال: كانوا يعملون يسيرًا، ويُؤجَرون كثيرًا، قلت: ولِمَ ذاك؟ قال: لسلامة صدورهم".
نسأل الله العظيم أن يطهِّر قلوبنا من كل غل وحقد وحسد وغش، وأن يجعل قلوبنا تقية نقية، لا غل فيها ولا حسد.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|