أدلة الحساب من الكتاب والسنة
أ- تعريف الحساب:
الحساب لغةً: العدُّ والإحصاء.
وشرعًا: هو: إطْلاع الله تعالى عبادَه على أعمالهم قبلَ الانصِراف من المحشَر خيرًا كانت أو شرًّا؛ قال تعالى: ﴿ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ ﴾ [المجادلة: 6]، وقال تعالى: ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [آل عمران: 30]، وقال تعالى: ﴿ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 49].
ب- الأدلة على الحساب:
الحساب ثابتٌ بالكتاب والسُّنَّة والإجماع، والإيمان به أصلٌ من أصول أهل السُّنَّة والجماعة:
1. فمن القرآن:
• قوله تعالى: ﴿ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ﴾ [الغاشية: 25، 26].
• وقوله تعالى: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ﴾ [الانشقاق: 7، 8].
2. ومن السُّنَّة:
• ما جاء في مسند الإمام أحمد رحمه الله تعالى عن عائشة رضي الله عنها أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يقولُ في بعض صَلاته: "
اللهمَّ حاسِبني حِسابًا يسيرًا"، فقالت عائشة: ما الحِساب اليسير؟ قال: "
أنْ ينظُر في كتابه فيتجاوَز عنه"[1].
3. وأجمع المسلمون على ثُبوته يوم القيامة:
• والحساب عامٌّ للجميع، إلا مَن استثناهم النبي صلى الله عليه وسلم ؛ كما في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما وفيه قال صلى الله عليه وسلم في أُمَّته: "
ومعهم سبعون ألفًا يدخلون الجنَّة بلا حِساب ولا عَذاب"، فقام عكاشة ابن محصن رضِي الله عنه فقال: ادعُ اللهَ أنْ يجعلَنِي منهم. فقال: "
أنت منهم"[2] الحديث.
• وروى أحمد رحمه الله عن أبي أُمامة الباهلي رضِي الله عنه: "
إنَّ مع كلِّ ألفٍ سبعين ألفًا"[3]، صحَّحَه ابن كثير رحمه الله وذكر له شواهد.
4-
صفة الحساب ونشْر الكتاب:
دلَّت النُّصوص الواردة في الحِساب - ومنها حديث ابن عمر المتفق عليه - على: "
أنَّ الله يخلو بعبده المؤمن فيُقرِّره بذنوبه - أو بعمله - حتى إذا رأى أنَّه قد هلَك؛ له: أنا سترتُها عليك في الدنيا، وأنا أغفِرُها لك اليوم، فيُعطَى كتاب حسناته"[4].
قلت: وفي هذا الحديث أنَّ الحساب قبلَ أخْذ الكتاب، فالكتاب توثيقٌ للحساب؛ لإظهار الفضل والعدل من ربِّ الأرباب، فيُقرر بالحساب، ثم يدفع إليه الكتاب ليقرأه فيباهي به أو يتحسَّر عليه.
وأمَّا الكافرون والمنافقون فيُنادَى بهم على رُؤوس الأشهاد: ألا لعنةُ الله على الظالمين.
وأوَّل مَن يُحاسَب من الأمَم هذه الأمَّة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : "
نحن الآخِرون السابِقُون يومَ القيامة المقضيُّ بينهم قبل الخلائق"[5]، وروى ابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا: "
نحن آخِر الأُمَم وأوَّل مَن يُحاسَب..."[6].
وأوَّل ما يُحاسَب به العبدُ من حُقوق الله الصلاةُ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : "
أوَّل ما يُحاسب عليه العبدُ يوم القيامة الصلاةُ..."[7]، رواه الطبراني، وإسناده لا بأسَ به.
قال المنذري في الترغيب والترهيب: وأوَّل ما يُقضَى بين الناس - قلت: يعني: من حُقوق بعضهم على بعضٍ - في الدِّماء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : "
أوَّل ما يُقضَى بين الناس يوم القيامة في الدِّماء"[8].
[1] أخرجه أحمد في المسند (6/ 4)، وانظر: المشكاة رقم (5
2)، قال الألباني: إسناده جيد.
[2] أخرجه البخاري برقم (5704)، ومسلم برقم (220) (374).
[3] أخرجه أحمد في المسند (5/ 268)، والترمذي برقم (2437)، وابن ماجه (4286)، قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
وروى الإمام أحمد في مسنده (1/ 6) عن أبي بكر الصديق أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "
فاستزدت ربي عزَّ وجلَّ فزادني مع كلِّ واحد سبعين ألفًا"
، قال أحمد شاكر في تحقيق المسند رقم (22): إسناده ضعيف، وصححه الشيخ عمر الأشقر في كتاب-ِهِ الجنة والنار (ص124).
[4] أخرجه البخاري برقم (2441)، ومسلم برقم (2
8)، عن ابن عمر رضي الله عنهما.
[5] أخرجه البخاري برقم (896)، ومسلم برقم (855) و (8
)، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[6] أخرجه ابن ماجه برقم (4290). قال في الزوائد: إسناده صحيح، رجاله ثقات، وصحَّحه الألباني في صحيح ابن ماجه.
[7] أخرجه الترمذي برقم (413)، والنسائي (1/ 232)، وأحمد في المسند (5/ 72، 377)، والحاكم في المستدرك (1/ 263). وصحَّحه الأرناؤوط في جامع الأصول برقم (7964).
[8] أخرجه البخاري برقم (6532)، ومسلم برقم (1678)، عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه.