التقوى وأثرها في حياة المسلم
فالتقوى هي أساس الحياة الطيبة* وهي الدرع الواقية من الفِتنِ والْمِحَنِ* وهي الطريق إلى الفوز في الدنيا والآخرة. عباد الله* التقوى هي الخوف من الجليل* والعمل بالتنزيل* والقناعة بالقليل* والاستعداد ليوم الرحيل. التقوى هي أن تجعل بينك وبين غضب الله وِقايةً؛ بفعل الطاعات* وتَرْكِ المعاصي. قال ابن مسعود رضي الله عنه: "التقوى أن يُطاع فلا يُعصى* ويُذكر فلا يُنسى* ويُشكر فلا يُكفر". أيها المؤمنون* إن التقوى لها شأن عظيم في ديننا؛ فهي شعار الأنبياء والصالحين* وهي خير ما يتزوَّد به العبد في دنياه وآخرته؛ : {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة: 197]* فالمؤمن الذي يتقي الله في كل أموره هو الذي يُرجى له الخير في الدنيا والآخرة. أولًا: تعريف التقوى: التقوى - أيها المسلمون - هي أن تعمل بطاعة الله* على نور من الله* ترجو ثواب الله* وأن تترك معصية الله* على نور من الله* تخشى عقاب الله* وهي ليست مجرد قول باللسان* بل هي عمل يظهر في السلوك والأفعال* التقوى تبدأ من القلب* ولكن أثرها يمتد ليشمل الجوارح؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «التقوى ها هنا»* وأشار إلى صدره ثلاث مرات))؛ (رواه مسلم). ثانيًا: فضل التقوى: عباد الله* إن للتقوى فضائلَ عظيمةً* وَعَدَ الله بها المتقين؛ ومن ذلك: 1. تيسير الأمور: : {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق: 4]* فمن يتَّقِ الله يسَّر له أموره* وفتح له أبواب الرزق والخير من حيث لا يحتسب. 2. النجاة من الشدائد: قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2]* فالتقوى هي السبيل إلى الخلاص من كل ضيق وشدة. 3. القبول عند الله: قال تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27]؛ فالتقوى هي شرط قبول الأعمال عند الله. 4. الكرامة والرفعة: قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]؛ فالكرامة الحقيقية عند الله تُقاس بالتقوى* لا بالجاه أو المال. 5. محبة الله للمتقين: قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: 7]؛ فمحبة الله للعبد أعظم ما يُرجى ويُسعى إليه. ثالثًا: علامات المتقين: أيها الأحِبَّة* إن للمتقين علاماتٍ وصفاتٍ؛ ومن أبرزها: 1. المداومة على الطاعة: فالعبد المتَّقي حريصٌ على أداء ما فرض الله عليه من عبادات* ويُسارع إلى الطاعات. 2. الابتعاد عن المعاصي: المتَّقي يحرص على الابتعاد عن الحرام* سواء في السر أو العلن؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اتَّقِ اللهَ حيثما كنتَ»؛ (رواه الترمذي). 3. حسن التعامل مع الناس: من علامات التقوى أن يتعامل المسلم مع الآخرين بخُلُقٍ حَسَنٍ* يعاملهم بالصدق والأمانة والعدل؛ : {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} [النحل: 90]. 4. الاستعداد ليوم القيامة: المتقي يعلم أنه سيقف بين يدي الله يوم القيامة* فيستعد لذلك اليوم بالأعمال الصالحة* والبُعد عن المحرَّمات. رابعًا: وسائل تحقيق التقوى: عباد الله* كيف نحقِّق التقوى في حياتنا؟ إليكم بعض الوسائل: 1. العلم النافع: فإن العلم هو الذي يُنير الطريق* ويُوضِّح الحلال من الحرام* فلا بد من طلب العلم الشرعي الذي يُعين على تحقيق التقوى. 2. مراقبة الله في السر والعلن: أن يشعر العبد بأن الله مُطَّلع على كل شيء* فيراقبه في كل صغيرة وكبيرة؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اتَّقِ الله حيثما كنتَ»؛ (رواه الترمذي). 3. محاسبة النفس: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا". فمحاسبة النفس من أعظم وسائل تحقيق التقوى؛ حيث يقف الإنسان مع نفسه بين الحين والآخر ليرى أين هو من طاعة الله. 4. صحبة الصالحين: فإن الصحبة الصالحة تُعين على الطاعة وتُذكِّر بالله؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «المرء على دين خليله* فَلْيَنْظُرْ أحدُكم من يُخالل»؛ (رواه الترمذي). 5. الابتعاد عن مواطن الفتن: فالفتن قد تُفسد التقوى؛ لذلك يجب على المسلم أن يبتعد عن كل ما يُفسد دينه* ويُضعِف إيمانه. خامسًا: أثر التقوى على الفرد والمجتمع: أيها المسلمون* إن للتقوى أثرًا عظيمًا على الفرد والمجتمع؛ فالفرد المتقي يحيا حياة طيبة* مطمئنة القلب* مستقرة النفس؛ وقد وعد الله المتقين بقوله: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل: 97]. أما المجتمع الذي ينتشر فيه التقوى فهو مجتمع يسوده الأمن والأمان* تنتشر فيه المحبة والرحمة بين الناس* ويقِلُّ فيه الظلم والفجور* فالتقوى تبني مجتمعًا سليمًا قويًّا مترابطًا. إن التقوى ترفعنا فوق هموم الدنيا* وتجعلنا نرى الأمور بمنظور مختلف؛ فنصبر على الابتلاءات* ونشكر الله على النِّعَمِ* ونحتسب الأجر عند الله. التقوى تؤثِّر في سلوكنا وتعاملاتنا مع الآخرين. المتقي هو من يتحلى بالأمانة والصدق* ويبتعد عن الظلم والخيانة؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اتَّقِ اللهَ حيثما كنتَ»؛ (رواه الترمذي). من خلال التقوى* نصبح أكثر عطاءً ورحمة* ونتجنب النزاعات والخصومات* ونسعى لإصلاح ذات البين. التقوى هي سبب لتحقيق الرزق والبركة: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2]* عندما نتقي الله في أعمالنا* يفتح لنا أبواب الرزق* ويُيَسِّر لنا الأمور* ويجعل حياتنا مليئة بالخيرات والبركات. التقوى تؤدي إلى النجاح في الدنيا والآخرة؛ فهي تدل على قوة الصلة بالله* وتحقق لنا النجاح في العمل* وتفتح لنا أبواب الخير في كل مجال؛ : {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 282]* فمن خلال التقوى* يعطينا الله الحكمة والمعرفة* ويجعلنا قادرين على اتخاذ القرارات الصائبة. أيها المسلمون* لِنَجْعَلِ التقوى مناراتٍ تَهدينا في دروب الحياة* وَلْنَجْعَلْها دليلًا لنا في كل أفعالنا وأقوالنا* وَلِنتذكَّر دائمًا أن التقوى ليست مجرد شعور نختزنه في قلوبنا* بل هي عمل وسلوك يظهر في كل تصرفاتنا. اللهم لك الحمد كله* ولك الشكر كله* وبِيدِكَ الخير كله* وإليك يرجع الأمر كله* اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد* وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اجعلنا من المتقين* وارزقنا الإخلاص في القول والعمل* ووفِّقنا لِما تحب وترضى. اللهم اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا* ولأئمتنا وعلمائنا* وللمسلمين والمسلمات* والمؤمنين والمؤمنات* الأحياء منهم والأموات. اللهم اجعلنا من أهل الهدى والصلاح* وبارك لنا في أعمارنا وأعمالنا* وأصلح لنا شأننا كله. اللهم ارفع عنا البلاء* واكشف عنا الهموم والآلام* وارزقنا الصحة والعافية* وسدِّد خُطانا على صراطك المستقيم. اللهم آتِنا في الدنيا حسنة* وفي الآخرة حسنة* وقِنا عذاب النار. عباد الله* {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90]* فاذكروا الله يذكركم* واشكروه على نعمه يزِدْكم* واستغفروه يغفر لكم* {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت: 45].
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|