إن الله عز وجل قص علي نبيه قصصا من السابقين قصة فرعون وقارون وكيف نجي الله
نبيه موسى عليه السلام هذا في مكة فسورة القصص مكية وبعد هذا
وقد انتهى القصص
وانتهت التعقيبات المباشرة على ذلك القصص . الآن يتوجه الخطاب إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم ومن خلفه القلة المسلمة وهو مخرج من بلده * مطارد من قومه *
وهو في طريقه إلى المدينة لم يبلغها بعد * فقد كان بالجحفة قريباً من مكة *
قريبا من الخطر * يتعلق قلبه وبصره ببلده الذي يحبه * والذي يعز عليه فراقه *
لولا أن دعوته أعز عليه من بلده وموطن صباه * ومهد ذكرياته * ومقر أهله . يتوجه
الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في موقفه ذاك
:{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ
عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ
جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } (القصص:85)
فما هو بتاركك للمشركين * وقد فرض عليك القرآن وكلفك الدعوة . ما هو بتاركك
للمشركين يخرجونك من بلدك الحبيب إليك * ويستبدون بك وبدعوتك * ويفتنون
المؤمنين من حولك . إنما فرض عليك القرآن لينصرك به في الموعد الذي قدره * وفي
الوقت الذي فرضه؛ وإنك اليوم لمخرج منه مطارد * ولكنك غداً منصور إليه عائد .
وهكذا شاءت حكمة الله أن ينزل على عبده هذا الوعد الأكيد في ذلك الظرف المكروب
* ليمضي صلى الله عليه وسلم في طريقه آمناً واثقاً * مطمئناً إلى وعد الله الذي
يعلم صدقه * ولا يستريب لحظة فيه .
وإن وعد الله لقائم لكل السالكين في الطريق؛ وإنه ما من أحد يؤذى في سبيل الله
* فيصبر ويستيقن إلا نصره الله في وجه الطغيان في النهاية * وتولى عنه المعركة
حين يبذل ما في وسعه * ويخلي عاتقه * ويؤدي واجبه
.{ إِنَّ الَّذِي
فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ }
ولقد رد موسى من قبل إلى الأرض التي خرج منها هارباً مطارداً . رده فأنقذ به
المستضعفين من قومه * ودمر به فرعون وملأه * وكانت العاقبة للمهتدين . . فامض
إذن في طريقك * ودع أمر الحكم فيما بينك وبين قومك لله الذي فرض عليك القرآن .
الأمل والواقع المعاصر: في
القرن العشرين وقعت حربان عالميتان وكانت الثانية منهما أشد من الأولي ودفع ثمن
الثانية اليابان وألمانيا فضربت اليابان بالقنابل النووية وألمانيا تم شطرها
إلي غربية وشرقية ودمرت البنية التحتية نهائيا ولكن بالأمل أصبحت اليابان في
خاتمة القرن العشرين من أقوى الدول اقتصاديا علي مستوى العالم وتوحدت ألمانيا
وأصبحت من أولي الدول صناعيا واقتصاديا .
روى البخاري ومسلم وأحمد واللفظ له عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ عَنِ
النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ « قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى
أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِى بِى فَلْيَظُنَّ بِى مَا شَاءَ » .
فلنظن بالله خيرا ونصرا وتمكين ورفعة
وأختم بقول الإمام حسن البنا رضي الله عنه : لا تيئسوا فليس اليأس من أخلاق
المسلمين * وحقائق اليوم أحلام الأمس * وأحلام الأمس * وأحلام اليوم حقائق الغد
. ولا زال في الوقت متسع * ولا زالت عناصر السلامة قوية عظيمة في نفوس شعوبكم
المؤمنة رغم طغيان مظاهر الفساد . والضعيف لا يظل ضعيفاً طول حياته * والقوي لا
تدوم قوته أبد الآبدين :
(وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ
وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) (القصص:5) .
والله أسأل أن يحيى موات هذه الأمة * وأسأله سبحانه أن من أراد بهذه الأمة خيرا
أن يوفقه إلي كل خير * وأن يسدد خطاه * وأن يهديه طريق الرشاد وأن يحقق للثورة
أهدافها ويرزقنا خيرها ويكفينا شرها ونعوذ به سبحانه وتعالي من شرور أعداء الحق
والخير وندرأ بك في نحورهم إنك علي ما تشاء قدير وبالإجابة جدير وأنت نعم
المولي ونعم النصير
{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا
يَصِفُونَ*وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ*وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ}
(17)
والصلاة والسلام علي
من بلغ العلى
بكـمـالـه *** كشف الدجى بجماله
عظمت جميع خصالـه صلوا عليه وسلمو تسليما
اللهم صلِّ و سلم وبارك على سيدنا محمد
وعلى آله وسلم تسليا ثيرا