أسباب تصديق الناس لتفسيرات الأبراج.. متخصصون يفككون الظاهرة ويؤكدون هزيمة العلم للتنجيم

لطالما استهوت نجوم السماء وأجرامها، وسط عتمة الليل وسكونه، عقل الإنسان وألهمت مخيلته، في مشهد تتلاشى من خلاله أشعة الشمس تدريجيا تاركة مكانا لضوء القمر الساطع ولبريق نجومه اللامع، فترك جهل الإنسان القديم بحركتها وافتقاره للمعرفة الكافية بخصائصها، مكانا لإقحام افتراضات قد تكون غير صائبة لإزالة الغموض عن الظاهرة.

يشير “علم الابراج” إلى ارتباط الولادة في تاريخ ما، بصفة معينة تؤثر على طبيعة شخصية الفرد، وهو ما من شأنه تحديد سلوكيات الشخص بناءا على عدة معايير مرتبطة بتحري تحركات الأجرام السماوية والكشف عن مواضعها فيما يعرف بالتنجيم، فيسعى بذلك المنجم إلى ربط وجود الإنسان ومعرفة قدره ومصيره من النجوم والكواكب، وبناءا على ذلك يولد كل شخص بسمات محددة لبرج معين من الأبراج الإثنى عشر.

وأجرى عالم النفس الأمريكي “برترام فورير” تجربة على طلابه تقوم على نفس نهج التقييمات النفسية المزعومة ومن ثم إيهامهم بصياغة تحليل شخصية كل واحد منهم، ومطالبتهم بتقديم تقييم لدرجة دقة تحليل الشخصية المقدم، ودون معرفة مسبقة لهم، أعطى الطلاب ورقة تضم نفس الوصف بشكل تام دون تغيير، ليلاحظ أن جميع الطلبة قبلو بها كوصف دقيق لشخصيتهم.

التفكير السحري

بهذا الصدد، أوضح الباحث في علم النفس الإجتماعي، عادل الحسني، في تصريح لجريدة “مدار21″، أن “علم النفس يدرس موضوع الأبراج وغيرها من الأفكار السحرية التي تهدف للإجابة على قلق العجز أمام الواقع والخوف من المستقبل تحت مسمى “التفكير السحري” الذي يؤثر في نفسية وسلوك الإنسان”.

وأشار الحسني إلى العلاقة الترابطية التي تم رصدها بين تصديق الفرد للأبراج وتأثير الجماعة على ذلك مؤكدا أن “أهم ما يميز الظاهرة هو تشكل نوع من التصنيف النفسي الحقيقي المؤسس على تصديق الانتماء لهذا البرج أو ذاك، فهناك عدد من متتبعي الأبراج أو المؤمنين بتأثير ملوك الجن يدخلون في تلبس أعراض ويجتهدون بدافع لاواعي لأن يحملوا صفات معينة تتماشى مع ما يؤمنون به، بغية إبراز كونهم ضحايا أو مميزين أو أنهم في طريق الحق.”

وأضاف أنه “ليس المهم اعتبار هذه الظواهر خرافات، فهي كذلك في جميع الأحوال، لكن الأهم هو وجود دافع نفسي خفي يدفع إلى اللجوء للتفكير السحري، وهذه نقطة يصعب رصدها لأنها مسألة شخصية جدا مرتبطة بذاتية الفرد”.

تأثير بارنوم

وفي معرض جوابه عن الأسباب وراء زعم بعض المؤمنين بهذه الأفكار صدق تنبؤاتها معهم، أشار عادل الحسني إلى أنه “يمكن الاستعانة بالعلم لفهم الأبعاد الواقعية التي تدفع بائع ومستهلك الخدمة السحرية إلى الاستمرار في تداولها، فمهمة العلم تكمن في الفهم والتفسير وتتجاوز إصدار الأحكام”.

وأكد أن البحوث العلمية تقترح عددا من الفرضيات لذلك ومنها، أن “الناس يميلون إلى إيجاد معنى شخصي في التنبؤات المستقبلية العامة أو تقييمات الشخصية، فيتم تعزيز ما يسمى بـ “تأثير بارنوم” إذا كانت التنبؤات تحمل تصنيفات مخصصة أو كانت إيجابية بشكل مفرط، و يعزز “تأثير بارنوم” بشكل أكبر إذا تم تسليم التنبؤات بواسطة وسطاء مشهورين”، ويرتبط هذا التأثير بتحيز معرفي يعتقد الأفراد من خلاله أن المعلومات العامة التي تنطبق على كثير من الناس مخصصة لهم”.

وأبرز الأخصائي، أن “مقدم خدمة “الإجابة السحرية” يستفيد من قابلية الناس أو هشاشتهم تجاه واقعهم”، مضيفا أن “هناك قلة من الناس الذي يتفاعلون مع الواقع بحيوية مستمرة يؤمن بخرافات العرافين، وانتشار خدمات الشعوذة مرتبط بقلق الإنسان وخوفه من معرفة مصدر قلقه، مفضلا أن يكون مصدرها سحريا بدل أن يكون واقعيا يعجز عن مواجهته”.

وفي دراسة علمية أجراها الفيزيائي “شون كارلسون” سنة 1985، تتحقق من إمكانية التنبؤ بشكل صحيح بصفات الشخصية من خلال تحديد أشكال النجوم وقت ولادتهم، تم نشر نتائجها في مجلة “نيتشر”، أظهرت أن تنبؤات المنجمين غير دقيقة ولم تكن أكثر دقة من الصدفة.

العلم يهزم التنجيم

ومن جانبه أكد حسن الطالبي، عضو “اللجنة المغربية للتوعية الفلكية”، و عضو “المشروع الإسلامي لرصد الأهلة” أن “الأبراج في علم الفلك هي مجموعة من النجوم التي تخيلها الإنسان القديم كائنا ما، لأنها تأخذ ظاهريا شكله، وكان يعتقد أنها موجودة على مستوى واحد من السماء وهي ليست كذلك”.

وأبرز الطالبي في تصريح لجريدة “مدار21” أن “ظهورها على ذلك الشكل راجع إلى أننا نراها من زاوية رؤيتنا على الأرض، فلو أننا انتقلنا لموقع آخر من مجرتنا لتغيرت تلك الأشكال، وهذا يفيد أنها غير موجودة على تلك الحقيقة التي سميناها بها”.

وأكد الطالبي أن “التنجيم مبني على معارف قديمة اختلطت فيها المشاهدة العينية بالخرافة والأسطورة والخيال قبل أن يتطور العلم ويتجاوز تلك المعارف إلى المعرفة العلمية الدقيقة، ومن هذا الباب نقول أن الكون غير ثابت وموقعنا في الأرض كذلك”.

وأضاف أن “معرفة أبعاد الكون يزيد من يقيننا ألا تأثير لها علينا” موضحا أن “أقرب نجم للمجموعة الشمسية وهو ألفا سانطور يبعد عنا بأربع سنوات ضوئية تقريبا، فما أدراك بالنجوم المشكلة للأبراج التي تبعد عنا وعن بعضها بمئات السنين الضوئية، وما بالك بنجوم تتفاوت في البعد السحيق ثم تتجمع لتؤثر على فرد دون غيره على كوكب الأرض، بل كيف تحدد طبعه وكيف تخبر بمستقبله؟”

تواريخ قديمة

وتابع المتحدث نفسه أن “ارتباط الأبراج بالتواريخ المحددة في علم التنجيم لم تعد موافقة لزمننا هذا في غالبها لأن التواريخ بقيت ثابتة منذ زمن تحديدها القديم بينما حركة الكون تتغير وهناك دورة للأرض زمنها ما بين 26 و27 ألف سنة تتغير فيها محور الأرض وتتغير معه أمور كثيرة منها توقيت نزول الشمس في الأبراج، وللقارئ أن يتأمل أي تطبيق فلكي علمي ليرى أن موقع الشمس في أغلب الأبراج قد تغير زمنه خصوصا في الأبراج التي لا تأخذ موقعا كبيرا في السماء”.

وختم الطالبي حديثه بأنه “إذا كان المنجمون يحددون لكل برج شهرا فإن الحقيقة العلمية مخالف لذلك، لأن المساحة التي يحتلها البرج في السماء ليست موحدة فبرج مثل الثور يبلغ 21 درجة بينما برج مثل العذراء برج يبلغ 45 درجة ولذا فالمدة التي تقطعها الشمس في هذه الأبراج ليست موحدة في شهر كما يدعي المنجمون فهناك أبراج صغيرة تستغرق مدة الشمس فيها عشرة أيام وأخرى كبيرة تستغرق فيها أربعين يوما، وبذلك يظهر أن التصور التنجيمي للأبراج مخالف تماما للحقائق العلمية في وقعنا الحالي”.